مونيكا ستاب
مؤسسة مستقبل كرة القدم النسائية السعودية
تعتبر المدربة الألمانية مونيكا ستاب، بالنسبة للمجتمع الرياضي السعودي، الشخصية الرئيسية التي صنعت مستقبل كرة القدم النسائية في المملكة، بفضل خططها الاستراتيجية الناجحة مع عملها الجاد في نشر ثقافة الرياضة لجيل المستقبل، لتستحق أن تكون في قائمة تريند 11 برعاية نيوم، الشريك العالمي للاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
وبعد أن خاضت تجربة صناعة المواهب النسائية في البحرين وقطر، قررت الألمانية المخضرمة ستاب خوض رحلة جديدة بمنطقة الخليج العربي، لتختار أرضًا جديدة مستعدة لبناء كرة القدم النسائية من الصفر، وتقرر صناعة قصة جديدة في السعودية عندما أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم في 2021 تعيينها كأول مدربة للمنتخب السعودي للسيدات.
ومنذ اللحظة الأولى قررت ستاب العمل على نشر ثقافة كرة القدم النسائية في السعودية، حيث قررت خوض هذه الرحلة بعد أن عملت في ما لا يقل عن 80 دولة حتى الآن، ولم تفقد أبداً هدفها الرئيسي، والذي قالت عنه عبر حديثها مع الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا): "خلال 51 عاماً من مشاركتي في كرة القدم النسائية، كان الشيء الرئيسي بالنسبة لي دائمًا هو منح النساء الفرصة للعب كرة القدم، قد لا أكون قادرة على تغيير كل شيء في حياة الناس، لكن يمكنني منحهم الأمل، أعطيهم الشرارة، الأمر متروك لهن لإشعال النار".
مسيرة بناء المستقبل
وقررت ستاب البدء في بناء مستقبل كرة القدم النسائية في السعودية، عبر اختبار قدرة الفتيات على ممارسة التدريب في الساعة السادسة صباحاً، موضحة لموقع (الفيفا): "وصلت إلى هنا، وقيل لي أننا سنبدأ التدريب في الساعة السادسة صباحاً، إن وجود أشخاص لائقين ومستعدين للذهاب في الساعة 6 صباحاً هو شيء لم أختبره من قبل، ومع ذلك في الساعة السادسة، وصلت 24 امرأة وأردن بدء التدريب، نظرت إلى النساء وكانوا جميعاً مليئين بالحماس والعاطفة والروح، ثم أمضين 14 يوماً أخرى في حضور دورة الرخصة التدريبية (C) معي، وكل يوم، كن هناك في السادسة تماماً".
واستمرت ستاب في اكتشاف المزيد من موهوبات المستقبل في بداية رحلتها مع السعودية، حيث قالت: "ذهبت إلى 25 نادياً في الدمام والرياض وجدة، كل منهم لديه أكثر من 40 لاعبة، وبعضهن يضطررن إلى القيادة لأكثر من ساعتين للوصول إلى التدريب، ذكّرني ذلك بالأيام الخوالي عندما كنا نريد لعب كرة القدم ولكن لم يكن لدينا نادٍ قريب. كانوا فتيات جيلنا يقدن السيارات لمدة ساعتين للوصول إلى التدريب ثم يقدن لمدة ساعتين للعودة، كل هؤلاء النساء يعملن أو يدرسن، ولا واحدة منهن تتقاضى أجراً مقابل ذلك، لديهن شغف حقيقي بذلك، وكلهن مقتنعات بأنهن سيتمكنن من تحقيق أحلامهن".
وعقدت ستاب أول حصة تدريبية مع المنتخب السعودي للسيدات والذي شهد تسجيل 700 لاعبة في دليل حقيقي على امتلاك البلاد العديد من لاعبات كرة القدم، حيث حضرن جميعاً لتجارب الأداء وخضعن لتقييم لمهاراتهن، قبل أن تقلص ستاب العدد إلى فريق من 30 لاعبة، لتبدأ بعدها المرحلة الثانية من رحلة بناء مستقبل كرة القدم النسائية في السعودية وهي خوض أول مباراة دولية.
ويعتبر فبراير/ شباط 2022 شهراً تاريخياً لكرة القدم النسائية في السعودية، لأنه شهد إعلان مونيكا ستاب أول قائمة للمنتخب السعودي للسيدات والتي خاضت أولى مبارياتها الدولية ضد منتخبي جزر سيشل وجزر المالديف، وأقيمت في معسكر المالديف.
ونجحت الألمانية ستاب في وضع بصمتها التاريخية عندما حقق المنتخب السعودي للسيدات أول انتصار في أولى مبارياته الدولية ضد منتخب جزر سيشل (2-0)، لتبدأ في وضع العتبة الأولى لبناء مستقبل كرة القدم النسائية في السعودية.
وبدأ المنتخب السعودي للسيدات يكبر بالتدريج مع ستاب، ليصل إلى مستوى الفوز بلقب (البطولة الدولية الودية للسيدات 2023) التي نظمها الاتحاد السعودي لكرة القدم بمدينة الخبر السعودية، بعد تفوقه على منتخبات جزر القمر وموريشيوس وباكستان.
وبعد أن أصبح المنتخب السعودي قادراً على الوقوف بقدميه، قرر الاتحاد السعودي لكرة القدم ترقية الألمانية مونيكا ستاب من منصب المدربة إلى منصب المدير الفني لكرة القدم النسائية بالاتحاد السعودي لكرة القدم، لتشرف على جميع خطط تطوير الكرة النسائية بالبلاد.
وقررت ستاب التركيز على ماهو أبعد من المستطيل الأخضر، وهو تأسيس جيل جديد من المدربات السعوديات اللاتي سيحملن الشعلة بعدها، ليشهد عهدها إقامة أكثر من دورة تدريبية لرخصتي (C) و(B) التي شهدت تخرج أكثر من 24 مدربة سعودية نجحن في تجاوز أصعب الاختبارات، ليتواجد بعضهن في أندية دوريات الممتاز والأولى والثانية.
وامتدت خطط ستاب المستقبلية إلى تطوير منهجية (مراكز التدريب الإقليمية)، التابعة للاتحاد السعودي لكرة القدم، والتي أصبحت في أقل من عامين أكبر مصنع لتصدير الموهوبات إلى الأندية السعودية، حيث توسع نطاق المراكز لمدن الرياض وجدة والدمام والمدينة المنورة، والتي تستقبل لاعبات أعمارهن من 7 إلى 17 عاماً، لتنجح بعض المواهب في الوصول إلى التشكيلة الأساسية في أندية الدوري السعودي الممتاز للسيدات.
وعملت خطط ستاب المستقبلية على تأسيس (بطولة الاتحاد السعودي للناشئات) والتي انطلقت نسختها الأولى في موسم 2023/2024 لتساهم في تأسيس المنتخب السعودي للناشئات تحت 17 عاماً لأول مرة، ويخوض عدة مباريات دولية.
تفاعل مجتمعي
رصت ستاب على تفاعل المجتمع السعودي مع مستقبل كرة القدم النسائية، حيث قالت لموقع (الفيفا): "لدينا فتيات تتراوح أعمارهن بين 7 و8 و9 سنوات في هذه الأكاديمية المخصصة للفتيات، يتلقين التدريب مرتين في الأسبوع، ويريد الآباء أن يتدربن ثلاث مرات، الناس مستعدون للاستثمار في المستقبل هنا، لقد تحدثت إلى الكثير من الآباء وهم جميعا منفتحون جداً على الفكرة، في ألمانيا كان ذلك حوالي عام 2003 عندما بدأ الآباء الأوائل في القول إن بناتهم لا يجب أن يمارسن الباليه وأنهن مسموح لهن بلعب كرة القدم. لماذا؟ لأننا فزنا بكأس العالم للسيدات".
وبفضل دورها الكبير في صنع البنية التحتية لمستقبل كرة القدم النسائية في السعودية، قررت اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية، تكريمها بجائزة (مدربة عام 2022)، في فبراير/ شباط 2023، عبر الاجتماع 26 للجمعية العمومية العادية للجنة والذي أقيم بالعاصمة الرياض، حيث ذكرت اللجنة بأن المنتخب السعودي للسيدات تحت إشرافها نجح في تحقيق لقب البطولة الدولية الودية للسيدات 2023، ليكون أول لقب خارجي للمنتخب النسائي الذي تأسس في 2022.
وبعد مرور 3 سنوات من خطط الألمانية مونيكا ستاب، أصبح للسعودية 3 دوريات نسائية وهي الممتاز والأولى والثانية، و4 منتخبات وطنية وهي السيدات، والشابات تحت 20، والناشئات تحت 17، ومنتخب الصالات، وبطولة للناشئات، ومسابقة للصالات، ودوري للمدارس الثانوية للبنات، مع تطبيق نظام الاحتراف عبر إلزام أندية الممتاز على توقيع 15 عقداً للاعبات السعوديات، مقابل 10 عقود احترافية في أندية الدرجة الأولى في الموسم الحالي 2024/2025.
"لقد تحدثت مع العديد من الآباء، وجميعهم منفتحون جدًا على الفكرة. في ألمانيا، بدأ هذا في عام 2003 تقريبًا عندما بدأ الآباء الأوائل يقولون إن بناتهم لا ينبغي أن يمارسن الباليه فحسب؛ يمكنهم أيضًا لعب كرة القدم. لماذا؟ لأننا فزنا بكأس العالم للسيدات”.
مونيكا ستاب
حلم سعودي
وجميع ما حققته السعودية الآن يجعلها حتى الآن في مرحلة البداية فقط وعدم الاستعجال على حلم كأس العالم للسيدات، بحسب نصيحة ستاب التي قالت لموقع (الفيفا): "بعد عشر سنوات، يريدون المشاركة في كأس العالم للسيدات، وقلت لهم تمهلوا! لقد استغرق الأمر 21 عامًا بالنسبة لألمانيا وتريدون القيام بذلك في عشر سنوات؟ هذا لن يحدث، لكن لديهم حلم".
وترى المدربة الألمانية أن استضافة السعودية لكأس العالم للرجال 2034 ستحقق فائدة عظيمة لكرة القدم النسائية في البلاد، حيث قالت لإذاعة (BBC): "أعتقد أن هناك مستقبلاً مشرقاً لكرة القدم للسيدات والفتيات في المملكة العربية السعودية، فلماذا لا يستضيفون كأس العالم للسيدات في عام 2035؟، نحن الآن نجهز فريقاً للمنافسة على هذا المستوى على الأقل".
والآن تشرف الألمانية مونيكا ستاب على عمل المدرب الإسباني لويس كورتيس، الذي يدرب المنتخب السعود للسيدات منذ العام الحالي، لتستمر رحلة ستاب في تأسيس مستقبل كرة القدم النسائية في السعودية.
كما تشارك مونيكا ستاب بنشاط في الأنشطة الخيرية، حيث تهدف إلى تعزيز دور الرياضة في المجتمع ودعم الفتيات والشابات في الحصول على الفرص الرياضية. قامت بتأسيس برامج تعليمية تهدف إلى توفير التدريب والدعم للفتيات في المناطق ذات الاحتياجات الخاصة، مما يساهم في تمكينهن من ممارسة الرياضة وتحقيق أحلامهن. تؤمن ستاب بأن الرياضة هي وسيلة قوية لتعزيز الثقة بالنفس والتعاون، وهي تعمل جاهدة لنشر هذه الرسالة من خلال مختلف المشاريع الخيرية التي تشرف عليها.
المزيد من القصص