يونس محمود

قائد أمجد إنجازات العراق، سفاح بقلب رحيم

Soccer player in white jersey kicking ball past goalkeeper in black attire on soccer field.
Trend 11

عرفت كرة القدم العراقية الكثير من الأساطير على مر تاريخها العريق، إلا أن بعضهم يتقدم خطوات على أمثاله بالنظر للأدوار المركبة التي يلزم نفسه بها داخل الملعب وخارجه، وأحد أبرز هؤلاء "السفاح" يونس محمود.

بطل آسيا

فمنذ بداياته وضع يونس محمود طريقا محددا لم يخرج عنه عنوانه "الالتزام والتضحية"، لبلوغ أعلى مراتب النجاح، فنال تقدير الجميع، فهو لم ينس أبدا دوره الإنساني في العراق..

ولم يغادر يونس العراق إلا بعدما وضع بصمة مؤثرة مع كل الفرق التي مثلها من الدبس في الدرجة الثالثة، ثم كركوك بالدرجة الأولى، حتى الطلبة. وسريعا ما لفت يونس أنظار مدربي المنتخبات بفئاتها المختلفة، حتى اختير في المنتخب الأول لأول مرة بعمر 19 عاما تحت قيادة المدير الفني عدنان حمد.

كانت مسيرة يونس محمود ملهمة من البداية حتى ذروة تألقه بالمساهمة في منح العراق لقب كأس آسيا 2007، وهو اللقب الأهم والأكبر في مشواره، بالنظر لدوره الكبير كقائد في غرفة الملابس وداخل الملعب، فضلا عن بصمته التهديفية التي ختمها بهدفه في النهائي ضد السعودية.

ومن خلال هذا الدور الذي وسع شهرته محليا وعربيا وعلى المستوى الآسيوي كذلك، ومساهماته الإنسانية والتزامه التام بدوره الاجتماعي تجاه أبناء بلده، اختير "السفاح" ذو القلب الكبير يونس محمود ليكون ضمن قائمة تريند 11 برعاية نيوم، الشريك العالمي للاتحاد الآسيوي لكرة القدم.

Soccer team celebrating with trophy

بطل آسيوي وُلد من رحم المعاناة

Soccer player in white and green uniform running with a soccer ball.

في قضاء الدبس التابع لمحافظة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق، حيث الطبيعة السياحية الجذابة، بين رؤوس الجبال الملونة ببياض الثلج، ونهر الزاب الأسفل (أحد روافد دجلة)، ولد أسطورة المنتخب العراقي "السفاح" يونس محمود في 3 فبراير 1983، لأب يعمل شرطيا ويهوى ممارسة كرة القدم.

كانت بدايات يونس محمود في ملاعب كرة السلة، وتحول منها إلى كرة القدم حيث تألق مع ناشئي نادي الدرجة الثالثة "الدبس" عام 1997.

ولاحقا انضم لكركوك في الدرجة الأولى بعد عامين فقط، وبات هداف المسابقة (19 هدفا) ليصعد بالفريق إلى الدوري الممتاز، ومع الصعود ارتقت طموحاته فانضم للطلبة العريق في موسم 2001-2002 ليحقق الدوري والكأس، وفي الموسم التالي نال الكأس فقط.

وبعد تجربة الطلبة شد يونس الرحال عام 2003 للوحدة الإماراتي معارا، ثم انتقل للخور والغرافة والعربي والوكرة والسد، في قطر، حيث توهج بشدة وحصد الدوري 4 مرات والحذاء الذهبي 3 مرات برصيد 24 و21 و15 هدفا في مواسم 2006-07، و2009-10 و2010-11 على الترتيب.

كانت بداية يونس قوية مع المنتخب الأول ووضع بصمة مبكرة إذ تعادل لأسود الرافدين (2-2) مع الأردن في الدقيقة 87، في نهائي بطولة غرب آسيا (2002)، قبل حسم اللقب بهدف ذهبي (ق103) عبر القائد حيدر مجيد.

وشارك يونس في 2004 مع منتخب العراق أولمبياد في أثينا، واكتفوا بإنجاز بلوغ نصف النهائي حيث خسر البرونزية أمام إيطاليا بهدف.

وصولا للعام الذي تحقق فيه أكبر إنجازاته (2007) كانت أجواء العراق مأساوية للغاية، بعد سنوات من الغزو الأمريكي، اختلطت فيها السياسة بكل شيء، وكانت الطائفية عنوان المشهد، حتى في مدرجات كرة القدم، قبل أن يمسح منتخب أسود الرافدين على قلوب العراقيين بلحظة تاريخية لن تنسى للأبد: التتويج بكأس آسيا.

يقول المدير الفني البرازيلي جورفان فييرا قائد الإنجاز التاريخي: "الفوز بكأس آسيا جاء في وقت استثنائي، كان الجميع بحاجة إلى لحظة فرح تداوي جراح العراقيين وتخفي أحزانهم"، وذلك في كتاب "هدف في مرمى بوش" الذي أصدره الصحفيان الإيطاليان ماكس سيفيلي ودييجو ماريوتيني، عن سيرة المدرب نفسه.

كانت تلك الفترة قاتمة للمنتخب العراقي بعد التعثر في خليجي 18 في الإمارات حيث ودع من المجموعات بعد الفوز على قطر ثم التعادل والهزيمة أمام البحرين والسعودية على الترتيب.

حدث ذلك في يناير/كانون الثاني 2007، وبعدها أقيل المدرب أكرم سلمان من دون تردد.

وقبل شهرين من كأس آسيا استقر الاتحاد العراقي برئاسة الأسطورة حسين سعيد على تعيين جورفان فييرا: خبير بالمنطقة العربية وتقلبات أنديتها ومنتخباتها ويعرف جيدا كيف يعالج نقاط الخلل من خلال تجاربه العربية المهمة.

ورغم أن هذه الخطوة توقع لها كثيرون الفشل لضيق الوقت، وقع الطرفان عقدا مدته 60 يوما تنتهي مع آخر مباراة للعراق في كأس آسيا، وكان التجديد مرهونا بالنتائج.

يقول يونس محمود: "لقد أثبت فييرا قدراته ونظم الصفوف في وقت قصير، كان يعرف عمله جيدا، إنه يجيد التعامل مع اللاعبين ووسائل الإعلام. علينا أن نشكره كثيرا".

بدأ العراق البطولة بهدف من توقيع يونس محمود في التعادل 1-1 مع تايلاند، ثم تفوقوا على أستراليا 3-1، قبل التعادل مع عمان 0-0.

وفي ربع النهائي تغلب العراق بهدفي يونس محمود على فيتنام 2-0، ثم تخطوا كوريا الجنوبية بركلات الترجيح 4-2 بعد التعادل السلبي، في نصف النهائي.

ثم جاءت مباراة السعودية في النهائي. كان على القائد أن يلقي كلمة تحفيزية يضع بها أقدام اللاعبين على الأرض فالإنجاز بات على بعد خطوة والجماهير العراقية متعطشة لفرحة تخفف بها آلام الفقد والفوضى التي اعتصرت قلوبهم.

وعلق يونس: "بعد التأهل للنهائي بلغت الروح المعنوية حدود السماء، فقلت للاعبين إن الوقت قد حان لنصنع التاريخ. كان المدرب فييرا على المستوى نفسه وعزز من ثقتنا بأنفسنا، وبث فينا الروح إذ قال ستكونون الأفضل إذا أظهرتم إمكاناتكم فقط".

كانت المباراة سجالا بين منتخبين لم يخطر ببال أحد وصولهما للنهائي عطفا على حالهما قبيل البطولة. حُبست الأنفاس وتصاعدت دقات القلوب دقيقة تلو الأخرى، حتى الدقيقة 71: ركنية سعودية ارتدت سريعا، هوار يتبادل الكرة مع يونس إذ لعبها للأخير في مساحة واسعة حصل منها القائد العراقي على ركلة ركنية.

"تنتعش آمال العراق في مرتدة، في فاينال رهيب، ينطلق يونس كأنه في نهائي 10 آلاف متر في أولمبياد بكين". المعلق عصام الشوالي واصفا روح يونس القتالية في المرتدة التي مهدت للهدف.

وقف هوار ملا محمد لتنفيذ الركنية وكل عيون مدافعي السعودية تلاحق الكرة لا المهاجمين، فجاء يونس مباغتا وطار في الهواء حيث بدا أنه توقف للحظات ليعاين الحلم بعينيه... الكرة استقرت في الشباك برأس يونس محمود، فامتدت الفرحة الغامرة من إندونيسيا إلى كل بيوت العراق!

وبعد المباراة كانت تصريحات القائد المتوج على قدر البطولة وشموخ العراقيين، إذ طالب بانسحاب القوات الأمريكية "لأنها سبب مشكلات البلاد".

وأكد في تصريح لأسوشيتد برس: "يجب عليهم مغادرة العراق، اليوم أو غدا، تمنيت لو لم يغزونا من الأساس" مبديا قلقه من عدم قدرتهم على الاحتفال في بلاده باللقب التاريخي.

احتفل العراقيون كما لم يحتفلوا من قبل، أنستهم الفرحة قليلا من أوجاعهم بفضل يونس ورفاقه، وعبرت أشهر أغنيات التتويج عن هذا المعنى: "شفتوا لاعب بالملاعب يلعب وإيده على جرحه؟ هذا لاعبنا العراقي من المآسي جاب فرحة". الكلمات للراحل كريم العراقي وغناء مجموعة من المطربين.

وحصد يونس محمود لقب هداف كأس آسيا 2007 برصيد 4 أهداف مناصفة مع السعودي ياسر القحطاني والياباني ناوهيرو تاكاهارا.

واجب اجتماعي

بطل المعجبين

يحظى يونس محمود بجماهيرية جارفة، إذ يتابع حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي الملايين من عشاقه في العراق وخارجها.

ويتابع يونس محمود على موقع إكس 3.6 مليون متابع، وفي إنستجرام 3.3 مليون متابع، وعلى فيسبوك 3.1 مليون متابع.

ولم يجنِ يونس كل تلك المتابعات من فراغ، فقد كان هدافا بارعا في كل الأندية التي لعب لها: الدبس، كركوك، الطلبة، الوحدة الإماراتي، وخماسي قطر (الخور، الغرافة، العربي، الوكرة، السد)، ثم أهلي جدة، نهاية برحلته القصيرة قبل الاعتزال مع أربيل والطلبة.

ويعد يونس من أقرب النجوم إلى قلوب الجماهير العراقية، ومثال ذلك ما فعله مع المشجع (أحمد كنكن) في خليجي 23 عام 2017 عندما حقق حلمه وتكفل بسفره للكويت لحضور مباريات أسود الرافدين.

وقال في حوار مع صحيفة العربي الجديد: "المشجعون العراقيون يدفعون لاعبي المنتخب لتقديم الأفضل لديهم، وأعتقد أن مسألة التكفل بالفيزا الخاصة به (كنكن) وبتذاكر سفره هي جزء من واجبنا الاجتماعي كلاعبين ومشاهير تجاه جماهير شعبنا ومشجعينا".

A man with facial hair and short hair in a suit, speaking.
A male soccer player in a white jersey with black accents, number 10, and a captain's armband, with short hair and a goatee, standing against a blurred background.
Soccer player in yellow jersey playing during a match, focusing on a soccer ball mid-air.

"يحفز المشجعون العراقيون لاعبي المنتخب الوطني على تقديم أفضل ما لديهم، وأعتقد أن تغطية تأشيرة [كنكن] ونفقات السفر هي جزء من مسؤوليتنا الاجتماعية كلاعبين ومشاهير تجاه شعبنا ومشجعينا".

يونس محمود، في حوار مع العربي الجديد

سخاء مألوف

بطل الأعمال الخيرية

بعد التتويج بلقب كأس آسيا 2007، توج يونس في نوفمبر من العام نفسه بالنسخة الثانية من جائزة "جياسينتو فاكيتي" المرموقة، التي تقدمها صحيفة "لاجازيتا ديلو سبورت" الإيطالية العريقة.

وتسلم يونس الجائزة من رئيس إنتر ميلان ماسيمو موراتي ومسؤولي الصحيفة وعائلة فاكيتي، نجم إيطاليا ولاعب ورئيس إنتر الأسبق.

وصاحبت الجائزة مبلغ 10 آلاف يورو تبرع بها يونس كاملة للجمعيات الخيرية العراقية.

وعندما توج "السفاح" بلقب هداف الدوري القطري (21 هدفا) مناصفة مع البرازيلي كابوري لاعب العربي، موسم 2009-2010، نال جائزة مالية 100 ألف دولار بنى بها مسجد "الخلفاء الراشدين" في كركوك.

Man in blue suit posing in front of AFC Asian Qualifiers banner, pointing upward with finger.

وفي 2014 تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صور يونس محمود وسط الأجواء شديدة الحرارة في كركوك حيث كان يشارك في حملات إغاثة المهجرين بسبب العمليات العسكرية وقتها.

ومع جائحة كورونا تواصلت مبادراته لتوعية المواطنين، وتبرعاته المالية التي لم يبخل بها أبدا.

وبعد الاعتزال لم يتوقف يونس محمود عن أداء دوره الاجتماعي والإنساني، فالآن وهو في منصب النائب الثاني لرئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، رافق المنتخب لزيارة أحد مستشفيات الأورام في البصرة، لدعم المرضى، قبل أيام قليلة من السفر إلى كوريا الجنوبية لخوض مباراة الجولة الرابعة من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026.

وعلى صعيد البطولات، أسهم يونس من خلال دوره الإداري المهم في تتويج أسود الرافدين بلقب "خليجي 25" في البصرة، إذ عادت المباريات الدولية والألقاب المهمة لأحضان العراق، حيث يأنس كثيرا كلما رجع إلى مسقط رأسه في قضاء الدبس، حيث الطبيعة السياحية الجذابة، بين رؤوس جبال كركوك الملونة ببياض الثلج، ونهر الزاب الأسفل.

Trend 11
"Champions of Progress" text in English and Arabic.
A group of young people playing soccer on a field, with one player using crutches and kicking the ball.

المزيد من القصص